responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 78
[سُورَة هود (11) : آيَة 44]
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
لَمَّا أَفَادَ قَوْلُهُ: فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود: 43] وُقُوعَ الْغَرَقِ الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ كَمَا عَلِمْتَ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى انْتِهَاءِ الطُّوفَانِ.
وَبِنَاءُ فِعْلِ قِيلَ لِلْمَفْعُولِ هُنَا اخْتِصَارٌ لِظُهُورِ فَاعِلِ الْقَوْلِ، لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ. وَالْقَوْلُ هُنَا أَمْرُ التَّكْوِينِ. وَخِطَابُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِطَرِيقَةِ النِّدَاءِ وَبِالْأَمْرِ اسْتِعَارَةٌ لِتَعَلُّقِ أَمْرِ التَّكْوِينِ بِكَيْفِيَّاتِ أَفْعَالٍ فِي ذَاتَيْهِمَا وَانْفِعَالِهِمَا بِذَلِكَ كَمَا يُخَاطَبُ الْعَاقِلُ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ فَيَقْبَلُهُ امْتِثَالًا وَخَشْيَةً. فَالِاسْتِعَارَةُ هُنَا فِي حَرْفِ النِّدَاءِ وَهِي تبعيّة.
والبلغ حَقِيقَتُهُ اجْتِيَازُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَى الْحَلْقِ بِدُونِ اسْتِقْرَارٍ فِي الْفَمِ. وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِإِدْخَالِ الشَّيْءِ فِي بَاطِنِ شَيْءٍ بِسُرْعَةٍ، وَمَعْنَى بَلْعِ الْأَرْضِ مَاءَهَا: دُخُولُهُ فِي بَاطِنِهَا بِسُرْعَةٍ كَسُرْعَةِ ازْدِرَادِ الْبَالِعِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ جَفَافُ الْأَرْضِ بِحَرَارَةِ شَمْسٍ أَوْ رِيَاحٍ بَلْ كَانَ بِعَمَلٍ أَرْضِيٍّ عَاجِلٍ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ زَلَازِلَ وَخَسْفًا انْشَقَّتْ بِهِ طَبَقَةُ الْأَرْضِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حَتَّى غَارَتِ الْمِيَاهُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ.
وَإِضَافَةُ الْماءُ إِلَى (الْأَرْضِ) لِأَدْنَى مُلَابسَة لكَونه فِي وَجْهِهَا.
وَإِقْلَاعُ السَّمَاءِ مُسْتَعَارٌ لِكَفِّ نُزُولِ الْمَطَرِ مِنْهَا لِأَنَّهُ إِذَا كَفَّ نُزُولُ الْمَطَرِ لَمْ يُخَلِّفِ الْمَاءَ الَّذِي غَارَ فِي الْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْأَمْرَ بِالْبَلْعِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ لِغَيْضِ الْمَاءِ.
وَفِي قِرَانِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ، وَفِي مُقَابَلَةِ (ابْلَعِي) بِ أَقْلِعِي مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست